فصل: (المجادلة: الآيات 18- 22)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} {إذا}ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط وجملة {قيل} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{لكم} متعلقان بقيل و{تفسحوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وجملة {تفسحوا} مقول القول و{في المجالس} متعلقان بتفسحوا والفاء رابطة لجواب الشرط غير الجازم والجملة لا محل لها وافسحوا فعل أمر والواو فاعل و{يفسح} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الأمر الواقع جوابا للشرط و{اللّه} فاعل و{لكم} متعلقان بيفسح والمراد بالمجالس مجالس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقرئ بالإفراد أي في المجلس وقيل هو المجلس من مجالس القتال ومراكز الغزاة وقيل هو مطلق في كل ما يبتغيه الناس للمنفعة وفي كل مجلس أو ناد وهو الأولى والأقرب لأسلوب القرآن الكريم في تعليم الأدب الرفيع.
{وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ} الواو عاطفة، و{إذا قيل انشزوا فانشزوا}: تقدم إعراب نظيرها، و{يرفع} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب و{اللّه} فاعل و{الذين} مفعول به وجملة {آمنوا} صلة و{الذين} معطوف على {الذين} الأولى أو هو منصوب بفعل مضمر تقديره ويخصّ الذين أوتوا العلم وجملة {أوتوا} صلة و{أوتوا} فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{العلم} مفعول به ثان و{منكم} حال و{درجات} ظرف أو منصوب بنزع الخافض.
{وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} الواو استئنافية و{اللّه} مبتدأ و{بما تعملون} متعلقان بخبير و{خبير} خبر إن.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً} {إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة {ناجيتم} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{ناجيتم} فعل وفاعل و{الرسول} مفعول به والفاء رابطة وقدّموا فعل أمر والواو فاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{بين} ظرف متعلق بقدّموا و{يدي} مضاف إليه وعلامة جرّه الياء و{نجواكم} مضاف ليدي و{صدقة} مفعول به لقدموا وسيأتي مزيد بحث في باب البلاغة حول هذه الآية.
{ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} {ذلك} مبتدأ والإشارة إلى تقديم الصدقة على المناجاة و{خير} خبر و{لكم} متعلقان بخير {وأطهر} عطف على {خير}.
{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الفاء عاطفة وإن شرطية و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{تجدوا} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون وهو فعل الشرط والفاء رابطة لجواب محذوف أي فلا تثريب عليكم وجملة {إن اللّه غفور رحيم} تعليل لرفع الحرج والتثريب.
{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ} الهمزة للاستفهام التقريري وأشفقتم فعل وفاعل أي أخفتم وأن وما في حيّزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي من أن تقدموا والجار والمجرور متعلقان بأشفقتم وقيل مفعول من أجله ومفعول {تقدموا} هو صدقات ومفعول أشفقتم محذوف.
{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الفاء استئنافية وإذ فيها أقوال:
1- أنها ظرف لما مضى من الزمن والمعنى أنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاء.
2- أنها ظرف بمعنى إذا كقوله تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم} وقد تقدم القول فيها مبسوطا فارجع إليها إن شئت.
3- أنها بمعنى إن الشرطية. ولم حرف نفي وقلب وجزم وتفعلوا فعل مضارع مجزوم بلم، وتاب الواو حالية أو استئنافية أو اعتراضية والجملة معترضة بين الشرط وجوابه وتاب اللّه فعل وفاعل وعليكم متعلقان بتاب والفاء رابطة وأقيموا الصلاة فعل أمر وفاعل ومفعول به وآتوا الزكاة عطف على فأقيموا الصلاة وكذلك قوله وأطيعوا اللّه ورسوله {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} ابتداء وخبر وجملة تعملون صلة ما والجار والمجرور متعلقان بخبير.

.البلاغة:

1- في قوله تعالى: {يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} تعميم ثم تخصيص وتفصيل ذلك أن الجزاء برفع الدرجات هنا مناسبة للعمل لأن المأمور به تفسيح المجالس كيلا يتنافسوا في القرب من المكان الرفيع حوله صلى الله عليه وسلم فيتضايقوا وذلك لا يليق بآداب المجلس التي من أولها تفادي إزعاج المجالسين وترنيق صفوهم، واجتناب ما يكدّر صفاءهم وينغص بالهم، ولما كان المتمثّل لذلك الأمر يخفض نفسه عمّا يتنافس فيه من الرفعة امتثالا وتواضعا جوزي على تواضعه برفع الدرجات، ثم لما علم أن أهل العلم بحيث يستوجبون عند أنفسهم وعند الناس ارتفاع مجالسهم خصّهم بالذكر عند الجزاء ليسهّل عليهم ترك ما لهم من الرفعة في المجلس تواضعا للّه تعالى، وفي هذا التخصيص إلماع إلى فضل العلم.
وحسبنا أن نورد حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه وهو أنه كان إذا تلا هذه الآية قال:
يا أيّها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، وعنه صلّى اللّه عليه وسلم: «بين العالم والعابد مائة درجة ما بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة». وعنه عليه الصلاة والسلام «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء».
فأعظم بمرتبة بين النبوّة والشهادة، وعن الأحنف: كاد العلماء يكونون أربابا وكل عزّ لم يوطد بعلم فإلى ذلك ما يصير.
وما دمنا بصدد العلم ودرجته السامية فلابد من الإشارة إلى نكتة بليغة وهي أنه قرن حين خصّ العلماء برفع الدرجات لما جمعوا بين العلم والعمل فإن العلم مع سموّ درجته وأنافة مرتبته يقتضي العمل المقرون به.
2- وفي قوله: {بين يدي نجواكم} استعارة ممّن له يدان وقد تقدم تحقيق هذه الاستعارة في آية الحجرات فجدّد بها عهدا.

.[المجادلة: الآيات 14- 17]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17)}

.الإعراب:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} كلام مستأنف مسوق للتعجب من حال المنافقين الذين كانوا يتخذون اليهود أولياء يناصحونهم ويفشون إليهم بأسرار المؤمنين وقال السدي: بلغنا أنها نزلت في عبد اللّه بن نفيل من المنافقين، والهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تر} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت و{إلى الذين} متعلقان بتر وجملة {تولوا} صلة لا محل لها والواو فاعل و{قوما} مفعول به وجملة {غضب اللّه عليهم} نعت لقوما.
{ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} الجملة مستأنفة أو صفة ثانية لقوما أو حال من فاعل {تولوا} و{ما} نافية حجازية و{هم} اسمها و{منكم} خبرها، {ولا} الواو حرف عطف و{لا} نافية و{منهم} عطف على {منكم}.
{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الواو عاطفة و{يحلفون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة معطوفة على {تولوا} فهي داخلة في حيّز الصلة و{على الكذب} حال والواو حالية و{هم} مبتدأ وجملة {يعلمون} خبرهم والجملة حال.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} فعل وفاعل ومفعول به وإن واسمها وخبرها.
{اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الجملة مستأنفة أو صفة ثالثة لقوما أو حال و{اتخذوا} فعل ماض والواو فاعل و{أيمانهم} مفعول به أول و{جنة} مفعول به ثان لاتخذوا أي سترا ووقاية لأنفسهم وأموالهم، {فصدّوا} الفاء عاطفة وصدّوا فعل ماض وفاعل و{عن سبيل اللّه} متعلقان بصدّوا.
{فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} الفاء عاطفة ولهم خبر مقدّم و{عذاب} مبتدأ مؤخر و{مهين} نعت لعذاب أي ذو إهانة.
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} {لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{تغني} فعل مضارع منصوب بلن و{عنهم} متعلقان بتغني و{أموالهم} فاعل و{لا أولادهم} عطف على {أموالهم} و{من اللّه} متعلقان بتغني على حذف مضاف أي من عذاب اللّه، و{شيئا} مفعول مطلق أي قليلا من الإغناء.
{أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} {أولئك} مبتدأ و{أصحاب النار} خبره و{هم} مبتدأ و{فيها} متعلقان بخالدون و{خالدون} خبرهم.

.البلاغة:

ذكر علماء البلاغة في حدّ الصدق والكذب أقوالا أربعة:
1- أن الصدق مطابقة حكم الخبر للواقع والكذب عدم مطابقته له ولو كان الاعتقاد بخلاف ذلك في الحالين.
2- وهو للنظام من كبار المعتزلة: أن الصدق المطابقة لاعتقاد المخبر ولو خطأ والكذب عدم مطابقته للاعتقاد ولو صوابا وما الاعتقاد معه على هذا القول داخل في الكذب لا واسطة.
3- وهو للجاحظ أحد شيوخ المعتزلة أيضا: أن الصدق المطابقة للخارج مع اعتقاد المخبر المطابقة والكذب عدم المطابقة للواقع مع اعتقاد عدمها وما عدا ذلك ليس بصدق ولا كذب أي واسطة بينهما، وهو أربع صور: المطابق ولا اعتقاد لشيء والمطابق مع اعتقاد عدم المطابقة وغير المطابق مع اعتقاد المطابقة وغيره ولا اعتقاد.
4- وهو للراغب، وهو مثل قول الجاحظ غير أنه وصف الصور الأربع بالصدق والكذب باعتبارين فالصدق باعتبار المطابقة للخارج أو للاعتقاد والكذب من حيث انتفاء المطابقة للخارج أو للاعتقاد.
هذا واستدل النظام بقوله تعالى: {إن المنافقين لكاذبون} أي في قولهم: {إنك لرسول اللّه} لعدم مطابقته لاعتقادهم وردّ استدلاله بأن المراد لكاذبون في الشهادة أي في ادّعائهم مواطأة القلب للسان لتضمن قولهم: إنك إلخ... شهادتنا من صميم القلب وهذا كذب.
و استدلّ الجاحظ بقوله تعالى: {افترى على اللّه كذبا أم به جنة} لأن الإخبار حال الجنة غير الكذب لأنه قسيمه وغير الصدق لأنهم يعتقدون عدم صدقه فثبتت الواسطة ورد بأن المعنى أم لم يغتر فعبّر عن عدم الافتراء بالجنة من جهة أن المجنون لا افتراء له لأن الافتراء الكذب عن عمد فهذا حصر للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه أي الكذب عن عمد ولا عن عمد.

.[المجادلة: الآيات 18- 22]

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}